THUNDER STORM مشرف
عدد الرسائل : 265 العمر : 34 نقاط : 5995 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 19/08/2008
| | من ذكريات ديسمبر | |
منذ خمسين عاما29ـ11_2008>>رأينا تلك الكتيبة تتقدم عبر شارع السلطان حسين يقتحمون المكان بدون أدنى مقاومة من الأهالي اذ أن أغلبهم من الأجانب ، ساعتي تشير إلى الثالثة عصرا ولم نكن مستعدين لأي هجوم من أي نوع ،في الواقع كنت خائفا على أخي الذي بلغ (سابع عشرته) ولكن ما إن شعرنا بهم يتجهون يمينا ناحية مبنى القنصلية البريطانية حتى فوجئنا برجال المقاومة يوزعون الذخيرة والسلاح وأعطوني بندقية روسية الصنع لم أدر ما أفعل بها و كذلك أخي...>>أحطنا بالكتيبة من جهاتهم الخمس ولو استطعنا أن نهاجمهم من الأسفل لفعلنا ، للأسف كنا أقل منهم عدة وعتادا، واحتمى بعضنا بالمباني بينما لاحقتهم دبابات السنتوريان تدكها دكا ـ المباني بالطبع ـ فتنهار في الحال..>>تابعوا الزحف لاحتلال مباني الجمرك و أرصفة الميناء ولكننا وقفنا لهم بالمرصاد و أفقدناهم اثنين من الضباط .<<عندما أفقدني الحماس اهتمامي بأخي الأصغر وجدته قد ابتعد في غير حاجة إلى حمايتي وانطلق مع رجال المقاومة الذين احتموا بمبنى البحرية وظللت أنا في موقعي أراقب الأحداث و أصيب المعتدين واحدا تلو الآخر بعد أن أنساني الحماس أنني لم أكن أعرف كيف أمسك بالبندقية ،وكنت محتميا بأطلال إحدى المباني المتهدمة عندما شعرت بمن يقترب مني محاولا أن لا يحدث صوتا عله يجد الرهينة التي ستخبرهم بباقي مواقع الفدائيين ..أفلتت من بندقيته طلقة عندما تعثر ووقع خلفي فأصابت كعبي حيث أخفى الأدرينالين هذا الألم حتى أستدير و أسدد له طلقه اخترقت جمجمته وأخرى من أجل أبي وأخرى من أجل خالي الذي قتل في العلمين أيام الحرب العالمية الثانية وأخرى من أجل بورسعيد الغالية ثم فقدت توازني عندما انهار جزء من المبنى أمامي ، عندها صرخت ألما بأعلى صوتي ثم تهاويت إلى الأرض ممسكا بكعبي الذي أدركت أنه ليس على مايرام ...<<نظرت إلى أعلى فإذا برجال المقاومة الذين قد تحصنوا بمبنى البحرية ومعهم أخي الذي لم أميزه من بين هؤلاء الرجال ..كانوا يصطادون المعتدين الذين ظلوا حوالي ثلث الساعة يحاولون اقتحام المبنى علهم يظفروا بأحد هؤلاء الرجال بدون جدوى فكانت كل ثانية تذهب ومعها رجل من هؤلاء وآخرمن هؤلاء ...<<هنا أدركوا أن لا مناص ولا خلاص من هؤلاء إلا بدبابات السنتوريان ونيران المدافع التي صبت جام غضبها على المبنى فانهار الجدار تلو الجدار وما هي إلا ثوانٍ حتي استحال إلى تراب ، وظل بعض الجنود في المكان يتفقدون الركام علهم يظفروا بأي شيء إلا أنهم لم يجدوا إلا بقايا الأجساد ...<<اقترب مني أحدهم فتجمدت في مكاني وحبست الأنفاس عندما جثا يتحسسني ثم وقف ووخزني بالسونكي وركلني بحذائه الثقيل حتى يرى وجهي فحدقت في وجهه ببلاهة كالموتي لا أنظر إلى شيء فوخزني بالسونكي مرة أخرة حتى كدت أن أصرخ ثم ولاني ظهره وأطلق سبة ما وانطلق ليلحق برفاقه بعدما جردني من سلاحي ...<<بعد أن ابتعد الأوغاد وشعرت بالأمان تحاملت على إحدى قطع الأخشاب التي سقطت مع الجدران المتهدمة ورحت أتفقد القتلى ،كانت الساعة تشير إلى الرابعة والربع ..<<رحت أبحث عن أخي فإذا هو مدرج في دمائه بينما ابتسامته التي رافقها خط من الدم أوحت لي بأن هذا الفتى قد لاقى مايريد حقا..<<أخذت منديله وضممته إلى منديلي وصنعت جبيرة ربطت بها كعبي الذي يئن ، وابتعدت عن المكان متكئا علي العصا مثقل النفس حسير الفؤاد ..<< وعدت إلى المنزل بعينين دامعتين .. هناك لحظات تمر كالقرون وذاك ما يدعى بالنسبية ، دخلت حجرة أخي الذي لقي حتفه منذ ساعة وتطلعت إلى صورته الكبيرة التي وضعها إلى جوار سريره كانت تمثل أبي وهو يحتضنه انتزعت الصورة من مكانها وبكيت ،احتضنتها وبكيت حتى لم أشعر بنفسي وأنا أقبل الصورة التي تمثل لي كل شيء أبي وأخي الآن خلت الدار إلا مني ومن أمي المريضة التي قد تحددت حركتها إلى الحمام أو إلى السرير وكان أخي الصغير قد كرس نفسه لرعايتها بعد عودته من مدرسته كل يوم ...<<فوجئت بصوتها الواهن يناديني، كانت تظن أنني هو فنادتني باسمه ..تشاغلت بمسح وجهي وغسل عيني بالماء،ثم هرعت ألبي ندائها وجثوت على ركبتي أمامها أقبل يمناها ويسراها وكتمت بكائي حتى لا تشعر بما يريبها ...<<سألتني عنه فقلت أنه أنه ..لا أدري شعرت بأن الكذب لن يفيد،هناك شيء عند العميان اسمه البصيرة ؛فهم يميزون الصوت كما نميز نحن الصور ...((انت بتبكي؟؟...هل أصابه مكروه؟؟))إحتضنتها وقد ارتفع صوت بكائي وقلت لها أنه أجاب دعوة ربه ((أمي ..لقد استشهد!!)) شعرت بأنني قد اعتصرت رقبتها لكنها تمسكت بي عندما حاولت ارسالها.<<لم تسأل كيف ولا أين ولا حتى تسائلت عن مدى صحة هذا الخبر..فقط صرخت حتى مزعت قلبي الممزع ((حبيبي يابني!!!))الآن جاء دوري في تهدئتها فهي التي ثكلت أعز ما لديها ،حاولت تهدئتها بدون جدوى ثم تحررت من حضنها الحاني فجأة ووقفت شاعرا بأن كل أوصالي قد تفككت..<<انطلقت ولم أخبرها عن وجهتي ،الحقيقة أنني انطلقت أخبر كل من أعرف ومن لا أعرف وقلت لهم أن يتجمعوا في المسجد حتى نصلي عليه وندفنه إكراما له؛ثم انطلقت بين الخرائب التي كانت منذ ساعات مدينة تسمى (بورسعيد) لن أحكي عن المخاطر التي واجهتها حتى أصل إلى جثمانه واحتملته بين ذراعي كما تحمل الدمية ولم يكن دمه قد جف بعد وركضت حتى بلغت المسجد وبعد المغرب صلينا الجنازة ومشينا حتى المقابر ، في الحقيقة لم تكن جنازة بل عدة جنائز..لقد فقدت بورسعيد خيرة شبابها في ساعات ...وظل الحزن مخيماً على الرؤوس أياماً وأيام ...<<المهم أن ذكريات الحادث لا تزال تداهمني حتى هذا اليوم ، ومحمد الصغير صار صورة كطيفٍ مر بنا نتذكره صباحا ومساءا كشرفٍ ننسبه إلينا بكل الفخر ، ولكن لا أدري حقا إن كان ذلك يصله أم لا فأنا لم أره منذ سنين وقد كان يزورني في أحلامي كلما شعرت بأنه أوحشني ...<<لقد صارت صورته جزءا لا يفارق مخيلتي ببسمته التي كان يشرق بها وجهه مع الشمس حتى لو لم تشرق الشمس ...ولكن كيف يقال الكلام الكثير بلفظٍ وحيد؟وكيف نزيح انكسار زمانٍ ثقيلٍ بليد...؟ رحمة الله على كل شهيد,,, | |
|
2008-12-11, 2:38 am من طرف محاسب تحت التمرين