وعندما جاء المساء تناوبت حراسة المكان مع أخي الذي يصغرني بعامين وأمرت الرجال بألا يوقدوا ناراً وألا يضيئوا أياً من تلك الكشافات التي يحملونها بالرغم من أن الليلة كانت حالكة السواد ، ونمنا جميعاً فيما عدا أخي الذي أمرته بإيقاظي بعد ثلاث ساعات.
وما هي إلا ساعة حتي تغير الحال...
<< بللوففف ..... بّاااخّ !! >>
<< الصوت الأول كان صوت قنبلة الغاز التي سقطت بجوار أخمص قدمي وعلى إثرها قفزت ممسكاً ببندقيتي على بعد متر منها ، والثاني صوت القنبلة اليدوية التي أطاحت بأخي ثم أردته بلا ذراع وما بينهما كان الوقت الذي استغرقته في جذب سلاحي ثم نهوضي وقفزي .. تلفتت يمنة ويسرة وقد تذكرت خيانة القنابل عندما أرادوا قتل هتلر .
<< فوجئت بكشافات مثبتة على أعمدة أُضيئت فجأة وكلها كانت مسلطة على عيني حتى أصبت بعمىً لحظي سرعان ما ذهب عني عندما سمعت طلقات الرصاص التي صدرت من مسلحٍ وقف إلى جواري مسدداً طلقاته ناحية خزانات المياه صائحاً ((خونة.. أوغاد!!)) بعدها سمعت صرخة عالية متألمة صدرت من خلف أحد الخزانات .
<< وبعد أقل من نصف دقيقة وجدت مسلحاً يرتدي قبعة الفاشيين الحمراء يقترب مني مصوباً سلاحه نحو صدري ويهددني بالقتل لو صدرت مني ومن رجالي أية مقاومة ، غير أني لم أتردد وضغطت على زناد بندقيتي غير واعٍٍ لما يحدث ، وللأسف كعادة هذه الأسلحة لم تكن بها رصاصة واحدة أو أن الرصاصة قد انحشرت في الماسورة ، ألقيتها في جزعٍ باتجاه وجهه الذي لم أتبين ملامحه بسبب تأثير الكشافات الموجهة نحو عيني حيث تفجر الدم من أنفه فوقع من الصدمة وهربت أنا من أمامه .
<< فوجئت بعدد لا يقل عن سبعة رجال يرتدون ملابس الجيش الروسي يركضون فارين نحو السلم المتهدم وخلفهم ثلاثة من رجالي يتعقبونهم مفرطين في ذخائرهم حتى قتلوا منهم اثنين وفر الباقون.
<< حاول رجلين من رفاقي الناجين شرح الموقف غير أن رصاصة أصابت ذراع أحدهما فعرفنا أن المعركة مازالت قائمة ؛ فاختبأت أنا ـ متخذاً وضعاً جيداً للتصويب بالبندقية التي خلفها أحد الفارين - خلف أحد الجدران المتهدمة المطلة على ظلام الشارع الذي بدا ممتلئاً بأشباح الركام و بحركة المهاجمين الذين ظننتهم قِلّة..
<< وإذ بثلاثة يرتدون بذلاتٍ ممزقة قد مثلوا أمامي كأنهم تسلقوا الجدار الذي أحتمي به ثم تكلم أحدهم بروسية سيئة ولكنته شرق آسيوية عرفت منها أنني قد تمت خيانتي (( أين أجد صديقي ؟ تكلم بحق الشيطان !)) بدا لي مخموراً ولم أشأ أن أستثيره فرددت بكل هدوء (( أهوَ الطويل أم القصير؟)) رفع خنجراً قصيراً في الهواء ملوحاً به متهيئاً لطعني غير أني سحبت كلماتي بقول (( فلتحل اللعنة بمن أغضبك ...)) أما هو فكل ما قاله كان (( لا تتدخل فيما لا يفيدك!)) ثم زمجر وأنا كتلةٌ من الثلج لا أحرك ساكناً إلى أن شعرت ببرودة خنجره على عنقي الدافئ عندئذٍ تجاهلت الواقفَين وأبعدت عنقي عن خنجره ثم أطحت بذراعه تلك وبركلةٍ مني هوى من علٍ ثم عادت لي رباطةُ جأشي .